الثلاثاء، 12 أبريل 2011

الاليات الوطنية لحماية حقوق الانسان

الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان


            تتعدد الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان، وتدور إجمالاً حول سبعة أشكال وهى: القضاء، والهياكل الحكومية، والمؤسسات الوطنية واللجان القومية، وداواوين المظالم(مكاتب الأمبودسمان) واللجان البرلمانية والمنظمات غير الحكومية، والإعلام.

            ولا يخلو بلد فى العالم من الآليات القضائية، حتى وإن اختلفت طبيعة النظم القضائية من بلد إلى آخر، كذلك لا يخلو بلد من الإعلام وإن كان دوره يختلف من بلد إلى آخر.
وكذلك لا يكاد يخلو بلد من هياكل حكومية معنية بحقوق الإنسان وإن تباينت طبيعتها وأدوارها تباينا كبيراً، فثمة بلدان تتوافر فيها مثل هذه الهياكل على مستوى وزارة متخصصة مسئولة، وبعضها يتواضع إلى مستوى إدارة متخصصة فى إحدى الوزارات المعنية.

            لكن يتفاوت وجود الأشكال الأخرى من الآليات، فبعض البلدان لا يتوافر على مؤسسات وطنية أو دواوين مظالم أو لجان برلمانية متخصصة، أو حتى منظمات غير حكومية تعمل فى مجال حقوق الإنسان.

            وتدور مهام هذه الآليات الوطنية حول ثلاثة وظائف رئيسية هى : الإنصاف القضائى، وإشاعة مبادئ وقيم حقوق الإنسان فى المجتمع، وحماية حقوق الأفراد والجماعات من انتهاك حقوقهم القانونية.

            ولا تختلف الأوضاع فى الساحة العربية عن هذه الصورة العامة، فإلى جانب السلطة القضائية، يتوافر فى البلدان العربية هياكل حكومية متعددة بدءا من وزارات مختصة بحقوق الإنسان أو المرأة أو الأسرة، إلى مؤسسات حكومية متنوعة تتبع رئاسة الدولة أو الوزارات ويتوافر فى ست بلدان عربية مكاتب أمبودسمان كما يتوافر فى أحد عشر بلدا مؤسسات وطنية ولجان وطنية ويتوافر فى ست بلدان لجان برلمانية، كما يتوافر فى معظم البلدان العربية منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان تعمل بدرجة متفاوتة من الحرية.

1- الآليات القضائية لحماية حقوق الإنسان:
            تعد الآليات القضائية أهم الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان باعتبار القضاء هو الجهة المختصة بتطبيق القوانين على كافة أفراد الشعب فى الدولة، وتحقيق العدالة بين أفراده سواء كانوا حكاماً أو محكومين.

            وينقسم القضاء فى سبيل أداء رسالته نحو تحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد إلى عدة أقسام، منها القضاء الدستورى، الذى يتمثل فى المحاكم الدستورية، والقضاء الإدارى، والقضاء العادى الذى يتكون من عدة مستويات على رأسها محكمة النقض، وكذلك النيابة العامة.

            وتختص المحاكم الدستورية بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح والفصل فى تنازع الاختصاصات بين جهات القضاء، أو الفصل فى النزاعات التى تقع بشأن تنفيذ حكمين قضائيين متناقضين. ويستخلص من ذلك أن دور هذه المحاكم هو مراقبة التشريعات والقوانين التى تصدر، ومدى مطابقتها للأحكام الواردة فى الدستور، وما إذا كانت قد راعت ما ورد به من عدمه. فإذا تبين لها أن السلطة التشريعية قد أصدرت قانونا لم يراع أحكام الدستور أو أهدر نصا من نصوصه فإنها تقضى بعدم دستورية هذا القانون مما يترتب عليه إنعدام القانون الذى قضت بعدم دستوريته وعدم تطبيقه ويمثل هذا أحد الضمانات الرئيسية التى تحمى حقوق الإنسان المنصوص عليها فى الدستور.

            ويختص القضاء الإدارى بالنظر فى الطعون على القرارات الإدارية التى تتخذها الأجهزة الإدارية للدولة، ويراقب فى ضوئها أعمال الإدارة وتصرفاتها ومشروعية القرار الإدارى، وإدارة المرافق العامة. وتطبيق القانون الإدارى وينظر الدعاوى التأديبية ضد الموظفين. ونجد أبرز أشكاله فى محاكم القضاء الإدارى والمحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا. ويأخذ هذا التنظيم اسم مجلس الدولة فى مصر وسوريا والجزائر. بينما يأخذ اسم المحاكم الإدارية فى العديد من البلدان العربية الأخرى مثل السعودية وسلطنة عمان وغيرها.
           
ويتكون القضاء العادى من العديد من المحاكم، يأتى على رأسها محكمة النقض يليها محاكم الاستئناف العالى، ومحاكم الجنايات، والمحاكم الإبتدائية والجزئية. وتختص محكمة النقض، والتى تعرف أيضاً فى بعض البلدان العربية باسم محكمة التمييز، بنظر الطعون الصادرة من المحاكم الاستئنافية ومحكمة الجنايات، والتى يكون مرجعه الخطأ فى تطبيق القانون أو تفسيره أو تأويله، وكذلك القصور فى تسبيب الأحكام أو الفساد فى الاستدلال، أو الإخلال بحق الدفاع. وهى تعد خير حماية لضمان حقوق الأفراد نحو تطبيق المحاكم للقانون تطبيقا صحيحا.

            وتختص محاكم الجنايات والجنح بالفصل فى الدعاوى الجنائية التى يكون من شأنها قيام الجانى فيها بارتكاب أى فعل يعتبر اعتداء على أى حق من حقوق الإنسان كالحق فى الحياة أو سلامة الجسد، أو الاعتداء على مال الإنسان أو عرضه أو حرمة مسكنه أو حريته الخاصة أو سمعته وشرفه واعتباره.

            وتختص باقى المحاكم بالنظر فى المنازعات التى تنشأ بين الأفراد بشأن أى حق من حقوقهم وتصدر فيها أحكاماً طبقا للقانون.

            وتعد النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطات القضائية، وتختص النيابة العامة بتلقى البلاغات الخاصة بالجرائم والتحقيق فيها، وكذلك تمثل سلطة الاتهام باعتبارها خصماً فى الدعوى الجنائية لصالح المجتمع.

            وللنيابة العامة دور كبير كآلية من آليات حماية حقوق الإنسان، فدورها لا يقتصر على تلقى البلاغات والشكاوى الخاصة بالجرائم الجنائية وتحقيقها والتصرف فيها بالحفظ أو الإحالة للمحاكمة، بل إنها أيضاً الجهة القائمة على تنفيذ الأحكام، والإشراف على السجون، والنظر فى شكاوى السجناء وغيرهم من المحتجزين وتحقيقها وإزالة أسبابها، وفحص مدى التزام الجهات القائمة على تلك السجون بتطبيق القانون.
كما تختص بكافة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها قضايا التعذيب التى تقع على المتهمين أثناء التحقيق معهم أو التى تقع داخل السجون أثناء تنفيذ المحكوم عليهم للعقوبة المقيدة للحرية.

             ويوضح هذا العرض الدور الذى يلعبه القضاء كآلية من آليات حماية حقوق الإنسان، لكن يسود هذا المشهد فى العالم العربى بعض العوامل التى تؤثر على هذا الدور.
وأبرز هذه العوامل هى نقص استقلال السلطة القضائية، فعلى الرغم من تأكيد الدساتير العربية على استقلال السلطة القضائية، تتغول السلطة التنفيذية على استقلالية السلطة القضائية، بل ويحدث ذلك أحياناً من جانب السلطة التشريعية، وتقصر الإمكانيات أحياناً عن تنفيذ أحكام القضاء.

            وهناك إشكالية أخرى تؤثر على فعالية دور القضاء كآلية من آليات حماية حقوق الإنسان وهى إنشاء محاكم إستثنائية فى ظل قوانين الطوارئ تفتقر إلى معايير العدالة، مثل محاكم أمن الدول/طوارئ فى مصر، أو غرسها فى النظام القضائى مثل محكمة أمن الدولة فى الأردن، أو تأسيس محاكم خاصة تتجاوز قوانين الإجراءات الجنائية مثل المحكمة الجنائية الخاصة فى العراق. أو إتاحة صلاحيات لرئيس الدولة بإحالة مدنيين للقضاء العسكرى أى لغير قاضيهم الطبيعى.

2- الهياكل الحكومية المعنية بحقوق الإنسان
            لايكاد يوجد بلد عربى يخلو من هياكل حكومية معنية بحقوق الإنسان، لكن يتفاوت فى أشكالها ومكانتها، وصلاحياتها تفاوتا كبيراً، تصل فى ذروتها إلى وزارة مختصة بحقوق الإنسان، أوهيئة يرأسها مسئول بدرجة وزير، كما تتواضع أحياناً إلى مستوى إدارة متخصصة فى إحدى الوزارات المستقلة. وتتنقل بعض الدول أحياناً من شكل إلى آخر من أشكال الهياكل الحكومية.

            ففى منطقة المغرب العربى يتوافر فى تونس شبكة كبيرة من الهياكل الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، يعد أبرزها منصب "المستشار الخاص لدى رئيس الجمهورية المكلف بحقوق الإنسان(1991) وقد أوكلت إليه مهمة متابعة سياسة الدولة فى مجال حماية حقوق الإنسان وتعزيزها المستمر. كما يتوافر فيها وحدات لحقوق الإنسان فى وزارات الخارجية والداخلية والعدل(1992) ووزارة الشئون الاجتماعية، فضلا عن مستشار قانونى للوزارة الأولى لتنسيق وضع القوانين الوطنية.

ويتوافر فى ليبيا بعض الهياكل الحكومية المعنية بحقوق المرأة، كما تأسست فى العام 2006 اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تتكون من أمناء اللجان الشعبية(وزارات) للاتصال الخارجى، والعدل، والأمن العام والنائب العام ورؤساء أجهزة الأمن الداخلى والخارجى والاستخبارات. وتتولى دراسة ملفات حقوق الإنسان الهامة ومعالجتها أو اقتراح حلول واقتراح تدابير وتقر حماية حقوق الإنسان.

كما شهدت المغرب تأسيس وزارة لحقوق الإنسان، لعبت دوراً مهماً فى مجال اختصاصها، لكن تم إلغائها فى العام 2004 وتوزيع مكوناتها على بعض الهيئات ذات الصلة.

            وفى الخليج تتوافر فى اليمن عدة هياكل حكومية معنية بحقوق الإنسان حيث أسست الحكومة لجنة وطنية للمرأة قامت بصياغة استراتيجية وطنية للمرأة، كما أسست "لجنة وطنية عليا لحقوق الإنسان عام 1999 تضم الجهات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بقضايا حقوق الإنسان أنيط بها وضع السياسات والخطط والبرامج الكفيلة بصياغة حقوق الإنسان، وتعزيز دور الجهات المعنية بمعالجة قضايا حقوق الإنسان. لكن سرعان ما تحولت الحكومة عن صيغة "اللجنة الوطنية" إلى تأسيس وزارة لحقوق الإنسان فى العام (2003) أوكل إليها مهمة تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المختصة، وتلقى شكاوى المواطنين.

            وأسست السعودية فى العام 2005 هيئة بموجب "تنظيم" (قانون) باسم هيئة حقوق الإنسان يرأسها مسئول بدرجة وزير، وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء وتهدف إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، ونشر الوعى بها، والإسهام فى ضمان تطبيق ذلك فى ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، وتعد الجهة الحكومية المختصة بإبداء الرأى والمشورة فيما يتعلق بهذا الموضوع. وتتمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية، ويقر لها قانونها بالاستقلال التام فى ممارسة مهامها المنصوص عليها فى "التنظيم" (القانون).

            ويتوافر فى البحرين عدة هياكل حكومية معنية بحقوق الإنسان أبرزها مكتب للشكاوى والمظالم والإلتماسات أنشئ فى الديوان الملكى فى العام 2003 يتلقى الشكاوى ويحللها، ويرفع تقارير شهرية وسنوية عنها كما يسعى لحلها إما مباشرة أو بالتعاون مع الوزارات والهيئات المعنية، والمجلس الأعلى للمرأة (2001، وتعديلاته 2004) للنهوض بحقوق المرأة، ولجنة حقوق الإنسان فى وزارة الداخلية وتقوم بتدريب الضباط على حقوق الإنسان.

            وفى سلطنة عمان توجد إدارة فى وزارة الخارجية تختص بحقوق الإنسان، كما أنشئت مديرية عامة للمرأة، وعدد من المراكز التأهيلية للتأهيل النسائى، وأنشأت الحكومة فى العام 2008 لجنة حقوق الإنسان مكونة من أعضاء عاملين فى القطاعين العام والخاص ذات شخصية اعتبارية، وتتمتع طبقا لقرار تأسيسها بالاستقلال فى ممارسة مهماها.

وتأسس فى دولة الإمارات العربية "الاتحاد النسائى لدولة الإمارات العربية عام 1974، وأسست إمارة دبى فى العام 1995 "إدارة لرعاية حقوق الإنسان بشرطة دبى. وتعنى بتدريب الشرطة على حقوق الإنسان، وتلقى شكاوى المواطنين فى تعاملهم مع الشرطة.

ويتوافر فى قطر أيضاً بعض المؤسسات الحكومية التى تعنى بحقوق الإنسان، كالمجلس الأعلى لشئون الأسرة، وإدارتى حقوق الإنسان فى وزارتى الخارجية والداخلية.

كما تتوافر فى مصر عدة إدارات حكومية معنية بحقوق الإنسان هى : الإدارة العامة لحقوق الإنسان بوزارة العدل (2001) ومهمتها العمل على المواءمة بين التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية المنضمة إليها مصر. ومكتب مساعد وزير الخارجية لشئون حماية حقوق الإنسان (بداية التسعينيات) ومهمته المتابعة المتخصصة للمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان على الصعيدين الوطنى والدولى، وإعداد الردود على الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان التى ترد إلى وزارة الخارجية. ومكتب شكاوى حقوق الإنسان التابع لمكتب النائب العام، ويختص بتلقى الشكاوى المرفوعة إلى النائب العام فى مجال حقوق الإنسان، وإدارة حقوق الإنسان فى وزارة الداخلية (2005).

ويتوافر فى السودان المجلس الاستشارى لحقوق الإنسان(1992) ويتبع وزارة العدل.


وشهد الصومال تأسيس وزارة لشئون الجنسين والأسرة فى إطار التشكيل الوزارى عام 2004 بهدف النهوض بأوضاع النساء.


وفى المشرق العربى تتوافر فى لبنان "لجنة وطنية لشئون المرأة اللبنانية" أنشئت عام 1995 استجابة لقرارات المؤتمر العالمى الرابع للمرأة فى بكين من أجل النهوض بأوضاع المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين.

وفى فلسطين، أنشئت وزارة لشئون المرأة عام 2003 فى إطار السلطة الوطنية، كما أنشئت هيئة حكومية لشئون المنظمات الأهلية.

وشهد العراق تأسيس وزارة لحقوق الإنسان فى إقليم كوردستان العراق ، كما تأسست، بعد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري وزارة لحقوق الإنسان.

3- اللجان البرلمانية المعنية بحقوق الإنسان:
            تعد لجان حقوق الإنسان البرلمانية إحدى الآليات المهمة لحماية حقوق الإنسان وتختص هذه اللجان بالدفاع عن حقوق الإنسان والعمل على تنقية التشريعات المعمول بها من النصوص التى تتعارض مع حقوق الإنسان والعمل على تعديلها بما يكفل الضمانات الفعالة لحقوق الإنسان وإعداد الدراسات ذات الصلة، كما تقوم بأعمال الرقابة على الأجهزة الحكومية للتأكد من مدى إلتزامها بحقوق الإنسان، وتلقى الشكاوى والملاحظات حول الممارسات المرتبطة بحقوق الإنسان وإيجاد الحلول المناسبة لها، كما تقوم بتشكيل لجان تقصى الحقائق فى موضوعات اختصاصها. وتعقد جلسات استماع حول بعض الموضوعات.

            وتتوافر فى المجالس النيابية العربية ست لجان برلمانية لحقوق الإنسان، تحمل هذا العنوان، فى مجلس الأمة الكويتى (1992)، ومجلس النواب المغربى، ومجلس النواب اللبنانى، والبرلمان الانتقالى فى السودان(2005)، ومجلس الشعب المصرى(2005)، ومجلس النواب العراقى(2006). كما تتوافر لبعض اللجان البرلمانية الأخرى اختصاصات مماثلة مثل لجنة الحقوق والحريات العامة بمجلس النواب اليمنى، وتلعب دوراً مهماً فى التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومن اختصاصها مراعاة توافق القوانين الوطنية التى يشرعها المجلس مع الالتزامات التى تفرضها الاتفاقيات الدولية. كما تستطيع التحقيق فى القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، والتحرى عن أية انتهاكات قد تحدث، ولها صلاحية مساءلة الحكومة واستجوابها عن أية إدعاءات بحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.

            كما توجد كذلك "لجنة رفع المظالم" فى المجلس نفسه وهى أيضاً إحدى اللجان الدائمة بالمجلس وتلعب دوراً مهماً فى طرح ومناقشة المظالم المتعلقة بحقوق الإنسان ومن اختصاصها مراعاة التحقيق فى الشكاوى التى تقدم إليها والتحرى عن أية انتهاكات قد تحدث. كما أن لها – كلجنة برلمانية- صلاحية مساءلة الحكومة واستجوابها فى أى إدعاءات بحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.

            ويضم مجلس النواب فى الأردن أيضا "لجنة للحريات وحقوق المواطن" تقوم بمبادرات مهمة فى مجال متابعة أوضاع السجناء والمعتقلين لدى الأجهزة الأمنية وكذلك الأسرى الأردنيين لدى إسرائيل.

            وقد تأسست لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس النواب العراقى فى العام 2006 وتتكلف بإصدار قانون "لجنة لحقوق الإنسان" التى دعا الدستور العراقى لتشكيلها، وقوانين حقوق الإنسان بما فيها حماية حقوق المرأة، وضمان الحرية الدينية وحقوق الأقليات.

            وقد أوكل الدستور العراقى للجنة القيام بمهام لجنة حقوق الإنسان التى قررها الدستور لحين إنشائها وتشمل هذه المهام: تعزيز الوعى الفردى بأهمية حقوق الإنسان فى العراق، ومراجعة القوانين والأعراف الموجودة حالياً، ومساعدة الحكومة فى اتخاذ الخطوات المناسبة من أجل حماية حقوق الإنسان فى العراق، والعمل على تعزيز وضمان وجود توازن بين التشريعات والأنظمة والأعراف الدولية وبين الوسائل المستخدمة فى تطبيق حقوق الإنسان فى العالم، والتحقيق فى الشكاوى التى يتقدم بها الأفراد، وكذا التحقيق فى أى مخالفة فيها انتهاك لحقوق الإنسان، كما تقوم اللجنة، إذا اقتضى الأمر بتحويل المشتكى فى حقه إلى المحكمة أو إلى أى جهة إدارية مناسبة، كما تقوم بزيارة المؤسسات التابعة للدولة للتأكد من مراعاتها لمبادئ حقوق الإنسان، والعمل على نشر وتوزيع الأبحاث والأنشطة التعليمية فى المدارس ومن خلال وسائل الإعلام والتقارير والرأى العام.

            وتتفاوت أهمية الدور الذى تلعبه اللجان البرلمانية لحقوق الإنسان اتصالا بالدور الرقابى والتشريعى الذى تلعبه البرلمانات ذاتها، فحيثما يهيمن فريق سياسى واحد على البرلمان تزداد هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وتضمحل قدرة البرلمان على الرقابة والتشريع وبينها لجنة حقوق الإنسان، وحيثما تزداد التعددية فى البرلمان ونسبة المعارضة تزداد قدرة البرلمان على الرقابة والتشريع، وتزدهر اللجان البرلمانية ومن بينها لجنة حقوق الإنسان.

4- المؤسسات الوطنية:
            تعد المؤسسات الوطنية إحدى الآليات الوطنية المهمة للنهوض بحقوق الإنسان، وهى تقع فى منزلة بين الهياكل الحكومية والمنظمات غير الحكومية، ويتيح لها ذلك دوراً بارزاً فى تعزيز احترام حقوق الإنسان فهى بحكم طبيعتها كمؤسسات دولة تملك إمكانية الحوار والتفاوض مع الحكومات حول تذليل العقبات التى تعرقل إعمال حقوق الإنسان والنهوض بها، وفى المقابل فإن استقلاليتها عن أجهزة الحكم تهئ لها إمكانية التجذر فى المجتمع والتواصل مع المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان ودعم مطالبها فى تعزيز احترام حقوق الإنسان.

            ويتم إنشاء هذه المؤسسات بموجب نص دستورى، أو قانون يصدر عن المجلس التشريعى للدولة، لكن يتعين أن تكون مستقلة عن سلطات الدولة حتى تتمتع بصفتها تلك كمؤسسة وطنية.

            وتضع الأمم المتحدة مجموعة من المعايير الدولية كمؤشر لاستقلال هذه المؤسسات، وامتلالكها لقدرات تفى بأدائها لوظائفها فيما يعرف بمبادئ باريس الصادرة فى العام 1993. وأهمها الاستقلال القانونى، والاستقلال المالى، واستقلال إجراءات التعيين والإقالة لأعضاء المؤسسات الوطنية، وكفالة التعددية فى تشكيلها.

            وتتمثل مهام المؤسسات الوطنية فى نشر ثقافة حقوق الإنسان فى المجتمع، وملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، وتلقى شكاوى المواطنين والتحقيق فيها والانتصاف لأصحابها، ولها الحق فى إلتماس المعلومات والوثائق اللازمة لتقييم الحالات التى تدخل فى نطاق اختصاصها ومن حقها إيفاد بعثات لتقصى الحقائق، وتفقد السجون وغيرها من مراكز الإحتجاز، وتقدم المشورة للحكومة والبرلمان، وتصدر توصيات- إلى الحكومة فى كل ما من شأنه تعزيز احترام حقوق الإنسان من تشريعات أو إجراءات، وتصدر تقارير سنوية دورية، كما تصدر تقارير تتعلق بموضوعات عملها كلما اقتضت الحاجة.

            وتنوع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تنوعاً كبيراً حتى لا تكاد مؤسسة تطابق الأخرى، ويعطيها ذلك ميزة القدرة على التكيف مع النظم القانونية الوطنية والبنية السياسية التى تعمل فيها، لكنها تتشابه فى عدة خصائص، فجميعها ذات طابع استشارى حتى لو امتلك بعضها اختصاصات ذات طابع شبه قضائى، كما تتميز باختصاص عريض يتيح لها التفاعل مع مختلف حقوق الإنسان إن مدنية وسياسية، أو اقتصادية واجتماعية وثقافية.

            وتحظى هذه المؤسسات بتشجيع من جانب الأمم المتحدة وهيئاتها المعنية بحقوق الإنسان، ويشهد العالم طفرة فى نموها وانتشارها منذ ثمانينيات القرن الماضى، كما بلورت لنفسها العديد من الهياكل التنسيقية على المستوى العالمى والمستويات الإقليمية ساهمت فى تعزيز التعاون والتنسيق بينها ودعم قدراتها من خلال تقاسم الخبرات وتبادل الآراء والمعلومات، وتعزيز حضورها ومكانتها على المستوى الدولى.

            ورغم أن العالم العربى شهد ظهور هذا النمط من المؤسسات منذ بداية التسعينيات من القرن الماضى، فقد ظلت طوال عقد التسعينيات محدودة العدد والانتشار، وواجهت النماذج الأولى منها صعوبات وتحديات حدت من فاعليتها ومن درجة اقتناع الرأى العام بها، بيد أن الأمور أخذت وجهة إيجابية منذ بداية العقد الحالى، فجرت مراجعة بعض النماذج السابقة على نحو يقترب بها من المعايير الدولية، ونشأت مؤسسات جديدة، فتضاعف عددها منذ ذلك التاريخ وامتد إلى أكثر من نصف البلدان العربية، وتطور أداؤها على نحو بدأ يجذب اهتمام الرأى العام.
            وتتوافر هذه المؤسسات فى أحد عشر دولة عربية هى: المجلس الاستشارى المغربى(1990) والهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية فى تونس (1991) والهيئة الوطنية المستقلة لحقوق المواطن فى فلسطين (1993) والمركز الوطنى لحقوق الإنسان فى الأردن (2002) والمجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر(2003) واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان فى قطر (2003) واللجنة الوطنية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها فى الجزائر (2004) واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان فى موريتانيا(2006) والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان فى جيبوتى (2008) كما صدر قانون بتأسيس المفوضية العليا لحقوق الإنسان فى العراق(2008) والمفوضية العليا لحقوق الإنسان فى السودان(2009) والتى نصت عليها دساتير هذين البلدين.

            ويثير نشوء وتطور المؤسسات الوطنية فى البلدان العربية العديد من التساؤلات المهمة حول توزيع هذه المؤسسات وأبعاد تطورها ومداه ووجهته، ناهيك عن مضمونه، وما قد يمثله من قيمة مضافة فى مجال تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات العامة.

            ولا توفر الدراسة المقارنة اجابات شافية عن أسباب نشوء المؤسسات الوطنية فى بعض البلدان العربية وغيابها فى البعض الآخر، فإذا كان الطابع الليبرالى قد يفسر جانبا من هذه الظاهرة بسبق ظهور المؤسسات الوطنية فى بعض بلدان المغرب العربى عن غيرها من الأقاليم العربية، فهو لا يفسر داخل الخليج نشوئها فى قطر مثلا وليس الكويت التى تسبقها بمراحل فى نهج توجه ليبرالى ووجود مؤسسات أهلية ونيابية لحقوق الإنسان. كما لا يفسر أيضا داخل المشرق العربى نشوئها فى الأردن وليس فى لبنان.

            ولا يفسر درجة الانفتاح على المجتمع الدولى أيضاً نمط انتشار المؤسسات الوطنية، فليست كل الدول التى أنشأت هذه المؤسسات هى الأكثر انفتاحا على المجتمع الدولى، وليست كل الدول التى لم تنشئ هذه المؤسسات الأكثر إنغلاقاً.

            والافتراض هنا أن قرار تأسيس هذه المؤسسات لم تحكمه قاعدة عامة وإنما ارتبط بتضافر اعتبارات محلية ودولية فى ظرف محدد أفضى إلى هذه النتيجة، وفى إطار هذا الافتراض يصعب تقدير نمط هذا الانتشار فى المرحلة المقبلة.

            وكما أن نشوء هذه المؤسسات فى البلدان العربية لم تحكمه قاعدة واحدة، فإن تطور هذه المؤسسات أيضا لم يأخذ نمطاً واحداً، فبعضها نشأ محدود الاستقلالية والصلاحيات لكن جرى تطويره على نحو جيد على غرار المجلس الاستشارى فى المغرب واللجنة الوطنية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها بالجزائر (التى حلت محل المرصد الوطنى لحقوق الإنسان فى الجزائر عام 2004) وبعضها نشأ محدود الاستقلالية والصلاحيات لكنه بقى على نحو ما بدأ مثل الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية فى تونس.

            ولا يظهر وضع المؤسسات الوطنية داخل الإطار المؤسسى لحقوق الإنسان فى الدول التى أخذت به نمطاً موحداً، فثمة بلدان جمعت بين أشكال متعددة لآليات حقوق الإنسان فى حين اقتصر بعضها على نمط واحد.

            كذلك يظل من الملفت فى سياق تطور تلك المؤسسات العلاقة بينها وبين وزارات حقوق الإنسان، حيث لم تتبع هذه العلاقة مساراً واحداً، ففى اليمن تأسست لجنة وطنية عقب تعديل وزارى شمل تأسيس وزارة لحقوق الإنسان، ثم تم إلغاء اللجنة وإدماج اختصاصها فى وزارة لحقوق الإنسان، وفى المغرب حدث العكس حيث سبق تأسيس المجلس الاستشارى بتنصيب وزارة لحقوق الإنسان ثم جرى إلغاء الأخيرة ونقل بعض اختصاصتها للمؤسسة الوطنية.

5- مؤسسات الأمبودسمان:
            تعد مؤسسات "الأمبودسمان" إحدى الآليات المهمة لحماية الناس من انتهاك حقوقهم القانونية من إساءة واستخدام السلطة، ورغم أنها تجد جذورها فى عمق التراث العربى الإسلامى فيما كان يعرف بديوان المظالم، واستلهمتها أوربا فى بداية القرن التاسع عشر، وطورتها وأكسبتها طابعاً عصرياً، وامتدت عبرها إلى العديد من بلدان العالم، غير أنها لم تحظ بعد لا بالاهتمام الواجب ولا بالذيوع الكافى فى العالم العربى.

            وتأخذ مؤسسات الأمبودسمان أسماء متعددة، وأشكالا متنوعة، أكثرها شيوعاً مكاتب الأمبودسمان، على نحو ما هو شائع فى دول أوروبا الشمالية، والمدافع عن الشعب على نحو ما يطلق على بعض المؤسسات فى أسبانيا والدول الناطقة بالأسبانية، والمفوض البرلمانى للإدارة كما يطلق عليه فى المملكة التحدة وسيريلانكا، ووسيط الجمهوية كما يطلق عليه فى فرنسا وبعض الدول الناطقة بالفرنسية، ولجنة الشكاوى العامة كما يطلق عليها فى نيجريا إلخ...، وتأخذ هذه المؤسسات أسماء متنوعة على الساحة العربية هى: ديوان المظالم، والموفق الإدارى، ووسيط الجمهورية، والهيئة العامة للحسبة.

            كذلك تتنوع أشكال هذه المؤسسات وأطرها القانونية، وهياكلها التنظيمية ووظائفها واختصاصاتها وصلاحيتها، لكن تظل مهمتها الأساسية هى تلقى شكاوى الجمهور اعتراضا على قرارات أو أفعال من جانب الإدارة العامة وحماية الناس من انتهاك حقوقهم من إساءة استخدام السلطات أو الأخطاء أو الإهمال، والقرارات الجائرة وسوء الإدارة وذلك بغية رفع هذه المظالم وتحسين الإدارة العامة، وإضفاء قدر أكبر من العلانية على تصرفات الحكومة، وإخضاع الحكومة والعاملين بها إلى قدر أكبر من المساءلة من جانب الجمهور.

            وتتشابه صلاحيات مؤسسات الأمبودسمان، والمؤسسات الوطنية طبقا للقوانين المنشئة لها فى عدة أوجه، فجميعها منشأة بقانون، وتتمتع بدرجة من الاستقلال المالى والإدارى، وتمتلك اختصاصات شبه قضائية لكنها ليست بديلة للمحاكم، وقراراتها غير ملزمة لكنها تملك سلطة أدبية، ولا يقتصر دورها على إصدار توصيات بشأن الشكاوى التى تنظرها ولكن تمتد صلاحياتها إلى إمكان التوصية بتطوير اللوائح والقوانين، وجميعها مطالبة بإصدار تقارير سنوية يجوز نشرها، كما تصدر تقارير خاصة ببعض الحالات التى نظرتها.

            لكن تتابين صلاحيات هذه المؤسسات فى عدة مجالات، فمؤسسات الأمبودسمان تركز أساساً على الشق الإدارى فى علاقة الأفراد بالدولة، ويلزم القانون بعض هذه المؤسسات بإحالة ما يصل إليها من شكاوى وبلاغات تتعلق بحقوق الإنسان إلى المؤسسة الوطنية. بينما تتمتع المؤسسات الوطنية بولاية أوسع إذ ننظر فى كل الشكاوى التى تدخل فى اختصاصها، وإن كانت بعض المؤسسات الوطنية ملزمة أيضاً بإحالة ما يصل إليها من شكاوى تتعلق باختصاصات مؤسسة الأمبودسمان إلى تلك المؤسسة.

            وفى الإجراءات تتميز القوانين المنشئة لمؤسسات الأمبودسمان بقدر أعلى من التحديد فى إجراءات نظر الشكاوى عن المؤسسات الوطنية. فهى تحدد طبيعة الشكاوى التى يمكن قبولها مثل أن تكون فردية أو تقدم من شخص طبيعى، أو أن يكون مقدم الشكوى قد استنفذ وسائل الطعن الإدارى المتاحة، كما تحدد القضايا التى لا يجوز لها التدخل فيها مثل أن تكون هذه القضايا منظورة أمام القضاء، أو بأن يكون قد صدر بشأنها حكم بات نهائى (عدا التدخل لتنفيذ أحكام صدرت)، أو النظر فى شكاوى بين أجهزة تابعة للدولة. بينما لا تحدد القوانين المنشئة للمؤسسات الوطنية مثل هذه الشروط وتترك إجراءات القبول والمتابعة لاجتهادات هذه المؤسسات.

كذلك يوجد تمايز واضح في سلطات التحقيق التى يتمتع بها كلا هذين النمطين من المؤسسات حيث تتمتع مؤسسات الأمبودزمان بسلطات أوسع بشان التحقيق والإطلاع على الوثائق والمستندات، واستدعاء الشهود، وتشدد قوانينها على ضرورة تجاوب الأجهزة الإدارية والتعاون مع إجراءات التحقيق الذى تجريه، بينما لا تحدد القوانين المنشئة للمؤسسات الوطنية سلطاتها في التحقيق، ولا تظهر هذه الدرجة من الإلتزام الواجب في تعاون السلطات المختصة مع المؤسسات الوطنية فيما تجريه من تحقيقات.

            وتوضح الدراسات ان نسبة ما يتم حله من القضايا أو الشكاوى التى تتدخل فيها مؤسسات الأمبودسمان أعلى بكثير من نظيرتها التى تتعامل فيها المؤسسات الوطنية. وقد يرجع ذلك إلى طبيعة الصلاحيات المخولة لمؤسسات الأمبودسمان لكن الأرجح أم مصدر التباين يكمن في طبيعة الشكاوى ذاتها، إذ بينما تركز مؤسسات الأمبودسمان على جوانب إدارية تتعلق بعلاقة المواطنين بالأجهزة الإدارية للدولة وما يماثلها، وهو أمر لا يثير أى حساسية لدى الدولة، تتعلق الشكاوى التى تتدخل فيها المؤسسات الوطنية بموضوعات ذات حساسية عالية مثل قضايا التعذيب وإساءة المعاملة أو مدى امتثال نظام العدالة لشروط المحاكمات العادلة، أو انتهاك الحريات العامة التى تقع في المساحة المتنازع عليها بين الأمن والحريات.

            ويتوافر فى البلدان العربية ثمان مؤسسات للأمبودسمان، وبعض المؤسسات التى تدخل في اختصاصها صلاحيات الأمبودسمان.
            تشمل الفئة الأولى: ديوان المظالم في المغرب (2001)، وفي الأردن (2008)، والموفق الإدارى في تونس (1992)، وفي ليبيا، ووسيط الجمهورية في موريتانيا (1993)، وفي جيبوتى (1999)، والهيئة العامة للحسبة في السودان، كما شرعت لبنان في دراسة تأسيس مؤسسة أمبودسمان، وأعدت لجنة خاصة مشروع قانون قدمته لمجلس الوزراء، كما ينص دستور السودان على تأسيس ديوان للمظالم.

            وتشمل الفئة الثانية مؤسسات تجمع بين اختصاصات المؤسسات الوطنية والأمبودسمان، وأبرز أمثلتها على الساحة العربية الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، التى يعهد إليها نظامها الأساسى بالمهمتين معاً، واللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها فى الجزائر التى يعهد إليها مرسوم تأسيسها أيضاَ بمهام الوساطة لتحسين العلاقات بين الإدارة العمومية والمواطنين جنباً إلى جنب مع مهام حماية حقوق الإنسان وترقيتها، ومكاتب الشكاوى في المجلس القومى لحقوق الإنسان في مصر، والمركز الوطنى لحقوق الإنسان في الأردن، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، وكذا مكاتب الشكاوى في المجالس القومية المتخصصة مثل المجلس القومى للمرأة في مصر، والمجلس القومى للأمومة والطفولة (مصر).

6- المنظمات غير الحكومية العاملة فى مجال حقوق الإنسان
            وتعد المنظمات غير الحكومية العاملة فى مجال حقوق الإنسان، إحدى الآليات المهمة في تعزيز حقوق الإنسان، وبل ويعتبر وجودها في بلد ما، ومدى حريتها في العمل أحد المعايير الرئيسية للحكم على مدى احترام الدول لحقوق الإنسان.

            تقوم هذه الجمعيات على أساسا طوعى، ولا تستهدف الربح، وتعمل باستقلال عن الحكومات والأحزاب، وتعتمد الوسائل السلمية في تحقيق أهدافها. ونظرا لتداخل نشاط حقوق الإنسان مع العديد من أوجه النشاط الاجتماعى الأخرى ينبغى أن يكون هدفها الرئيسى أو جانب رئيسى منه تعزيز احترام حقوق الإنسان، حتى يمكن تصنيفها بين منظمات حقوق الإنسان.

            تخضع هذه الجمعيات في تنظيم إجراءات تأسيسها وإشهارها ومتابعة نشاطها وحلها لقوانين تنظيم الجمعيات الأهلية، وهى تتفاوت من بلد عربي إلى آخر في درجة تدخلها في شئون المنظمات غير الحكومية، وبينما لا يحتاج تأسيس منظمة غير حكومية في بلد مثل لبنان لأكثر من أخطار بالتأسيس يعرف باسم "علم وخبر" تحتاج في الكثير من البلدان لإجراءات مطولة، وتتدخل جهة الإدارة في شئون المنظمات غير الحكومية وتتيح بعض هذه القوانين حل الجمعيات الأهلية بقرار إداري وليس عن طريق حكم قضائي، وإن كان عادة ما يقترن ذلك بحق الجمعية في الطعن القضائى على مثل هذا القرار.

            وتتنوع اختصاصات المنظمات غير الحكومية نوعيا وجغرافيا، فعلى المستوى النوعى يعمل بعضها باختصاص عام في مجال تعزيز حقوق الإنسان بينما يختص بعضها بتعزيز حقوق بعينها مثل مكافحة التعذيب، أو تعزيز حرية الرأى والتعبير وغيرها، كما تتنوع أنشطتها، فبعضها يختص بنشر مبادئ حقوق الإنسان أو التربية عليها، وبعضها الآخر يختص بأنشطة الحماية فحسب مثل كشف الانتهاكات والتدخل لدى السلطات المختصة لمنعها وملاحقة مقترفيها، أو تقديم المساعدة القانونية، كما يعمل بعضها في مجال تأهيل الضحايا مثل تأهيل ضحايا التعذيب أو الرعاية الاجتماعية لأسر السجناء. وعلى المستوى الجغرافى يختص بعضها بنطاق جغرافى محدد مثل إحدى المحافظات، أو إقليم يضم عدة محافظات بينما يعمل بعضها على المستوى الوطنى، ويعمل بعضها على مستوى إقليمى.

            كذلك يتنوع اهتمام المنظمات غير الحكومية العاملة فى مجال حقوق الإنسان بالفئات المستهدفة، فبينما توسع بعض هذه المنظمات اهتماماتها لعموم المجتمع يتجه بعضها لاستهداف فئات ترى أنها الأكثر عرضه لانتهاكات حقوقها مثل النساء أو الأطفال أو الأقليات، وأحياناً ما تقصر نشاطها على فئات محددة بين هذه الفئات مثل الأطفال الجانحين أو أطفال الشوارع.

            ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها عدم اهتمام الجهات الحكومية المعنية بذلك، وتداخل أنشطة بعض المنظمات، والتشوهات القانونية التى ’الجأت بعض الجمعيات للتحايل على العقبات التى تفرضها قوانين الجمعيات، مثل تأسيس مكاتب محاماة متخصصة في مجال حقوق الإنسان، يتم ترخيصها من نقابات المحامين، أو عيادات طبية متخصصة في تأهيل ضحايا التعذيب يتم ترخيصها من نقابات الأطباء، أو تأسيس الجمعيات تحت عنوان شركات مدنية لا تستهدف الربح فى سياق القانون المدنى.

            وتعمل معظم الجمعيات من خلال تحالفات، أو شبكات تحقق لها المساندة الضرورية نظراً للطبيعة الحساسة للموضوعات التى تتعامل فيها مثل مواجهة الانتهاكات، وملاحقة مقترفيها، كما توفر لها تقاسم الخبرة والمعلومات، ودعم الحملات المشتركة للتأثير على السياسات العقابية.

            تتمثل أهم الإشكاليات التى تؤثر على هذه المنظمات كآلية من آليات للنهوض بحقوق الإنسان في الاتى:
  • تباين المرجعيات على الساحة العربية، فبينما تعتمد معظم المنظمات غير الحكومية على المعايير الدولية كمرجعية لعملها باعتبارها المشترك الإنسانى، يتجه بعضها الى التأكيد على القيم الدينية والحضارية السائدة جنباً إلى جنب مع المعايير الدولية، ويتجه البعض الآخر إلى التأكيد على المبادئ الإسلامية وحدها كمرجعية لعمله. ويفضى هذا التنوع إلى بروز بعض أوجه التعارض خاصة حيال بعض القضايا المهمة مثل الموقف من قضايا النساء والجماعات الإثنية وحرية الفكر والاعتقاد.
  • محاولة احتواء بعض هذه المنظمات من قبل الحكومات أو القوى الحزبية وتعمل الحكومات لتحقيق هذا الهدف من خلال الأدوات التشريعية وإطلاق حوافز ايجابية من من خلال تسهيل عمل بعض الجهات، أو سلبية مثل تكثيف الضغوط عليها وتصل أحياناً إلى حلها، فضلاً عن قيام بعض الحكومات يدفع بعض العناصر لتشكيل جمعيات تابعة لها فيما يعرف بـ "المنظمات الحكومية غير الحكومية  GONG'S" .
  • بينما تعمل القوى الحزبية من خلال تكثيف عضويتها بهذه الجمعيات والتأثير على توجيهاتها والوصول إلى مواقعها القيادية عبر جمعياتها العمومية خاصة المنظمات مفتوحة العضوية.

7- وسائل الإعلام
            تلعب وسائل الإعلام دوراً حاسماً في التأثير على مسار حقوق الإنسان ليس فقط من خلال دورها في تأسيس الوعى العام بهذه الحقوق وتكريس المفاهيم الخاصة بها. ولكن أيضاً في مجال حماية هذه الحقوق من خلال دورها الرقابي، وقدرتها على إثارة القضايا المختلفة، وتوفير المعلومات الخاصة بها ومتابعتها.

            ويعتبر الإعلام والنظام الاتصالى عموماً من أهم آليات عمل حقوق الإنسان، ويتحقق هذه الإعلام على مستويين: مستوى مباشر تبثه المنظمات العاملة فى مجال حقوق الإنسان عبر إصداراتها المختلفة من تقارير ودوريات ونشرات وبيانات .. الخ ويتحقق المستوى الآخر عبر تناول وسائل الإعلام الجماهيرية لرسالة حقوق الإنسان.

            وتعد التقارير الدورية أبرز إصدارات الإعلام المتخصص في مجال حقوق الإنسان ويصدر عدد من منظمات حقوق الإنسان تقارير سنوية، كما يصدر بعضها تقارير نوعية لرصد ظواهر أو مجالات معينة كما يلجأ بعضها لإصدار سلاسل مطبوعات في مجالات محددة. كما يصدر بعضها مجلات بحثية أو نشرات دورية.

            وبخلاف المطبوعات الدورية تصدر منظمات حقوق الإنسان البيانات الصحفية للإعلام عن نتائج تحقيقاتها أو دراساتها الميدانية أو الإعلام عن أنشطتها المختلفة.

            ورغم أهمية الإعلام المتخصص، فإن قدرته على توصيل رسالته إلى الرأى العام تتوقف على مدى قدرته على النفاذ عبر وسائل الإعلام الجماهيرية من صحافة وإذاعة وتليفزيون، حيث يظل محكوماً بإمكانيات المنظمات غير الحكومية.

            وقد ظل نمط النفاذ إلى وسائل الإعلام الجماهيرية حتى عقد التسعينيات من القرن الماضى أمراً نادراً، فلم تكن وسائل الإعلام الرسمية (الإذاعة المرئية والمسموعة) تفسح مكانا لرسالة حقوق الإنسان إلا نادراً. وكان ذلك يرتبط بمدى توافق هذه الرسالة مع سياسات الحكومات فى سياق العلاقات العامة الدولية، أو القضايا موضع التوافق مثل قضايا تعليم المرأة، أو النهوض بالتنمية، أو بتوظيفها فى سياقات المنافسات الإقليمية أو الصراعات الدولية، وإن كان الأمر مختلفا نسبيا فى الصحافة التى كانت تفسح المجال لمناقشة بعض القضايا التى تثيرها منظمات حقوق الإنسان فى سياق اهتمام بعض الصحفيين البارزين فى المؤسسات الصحفية الحكومية. وانحصر          المجال المتاح فى الإعلام كآلية للنهوض بحقوق الإنسان فى هذه المرحلة فى الصحافة الحزبية، وبعض الصحف المستقلة.

            لكن شهدت التسعينيات من القرن الماضى، والعقد الحالى تطوراً بالغ الأهمية فى دور الإعلام كآلية للنهوض بحقوق الإنسان، بفضل بروز دور الفضائيات وزيادة مؤسسات الإعلام الجماهيرى المستقلة من إذاعات وتليفزيونات وصحف مستقلة وخاصة، وانتشار الإعلام الإلكترونى والمدونيين والتطور الكبير فى النظام الاتصالى، فضلا عن موقف بعض الحكومات من التفاعل مع قضايا حقوق الإنسان وإضطرارها إلى مجاراة الواقع بعد أن تحللت قدرتها على مواجهته.

            أسست هذه التطورات المهمة لمرحلة جديدة للإعلام كآلية من آليات النهوض بحقوق الإنسان، ترتبط أهميتها صعوداً وهبوطاً اتصلاً بهامش الحريات الإعلامية المتاحة، وتدور حول سياسات التحرير، وقوانين الصحافة، وتنظم البث الفضائى، ومواثيق الشرف الصحفية والإعلامية أكثر مما تدور حول مبدأ النشر الصحفى أوالبث الإعلامى فى مجال حقوق الإنسان.

ليست هناك تعليقات: